Sunday, January 16, 2011

فيروسات الثورة


دمعت عيناي و أنا أستمع الى أحد الثائرين التوانسه و هو يصف حالة بلاده لأحد مراسلي التليفزيون، عند بداية إشتداد الثورة التونسيه منذ حوالى 3 اسابيع.
اعترف ان تأثري الشديد لم يكن لحال تونس المزري، ولكن دموعي ذرفت لأن ما ذكره ذلك المواطن التونسي، قد مر عليه في مصرنا حوالي 10 سنوات.

صرخ التونسي في وجه مراسل التليفزيون كي يحاول أن يوصل له مدى فداحة الموقف و إحساسه بالغضب:
"سيدي، لقد أصبحت الوظائف بالواسطه رغم استحقاقها، لا بل أصبح الرجل يدفع اموالا ليحصل على وظيفه"
لأجد أمام عيناي العشرات من أصدقائي الذين أفنوا سنون من عمرهم يحاولون جاهدين الوصول الى وظيفة تدرأ عنهم إحباط ضياع نصف عمرهم في نظام تعليمي فاشل
"سيدي، اصبحت دولتنا دولة اغنياء و فقراء ثم فقراء ثم فقراء"
لم يكد ينهي جملته حتى تذكرت ذلك الرجل ذو القميص ناصع البياض و البنطلون الكحلي المتسخ قليلا ببعض الأتربه ممسكا كيسا بلاستيكيا و يقوم بفرز صندوق القمامه بحثا عن ما يمكن ان يضعه في كيسه، وانا احاول الا اتخيل ما سيقوم به بعد ان يملأه.
"سيدي، كيف لنا ان نعيش في انتظار فرصه للهرب خارج تونس؟؟"
و كأنه يداعب ذلك الشريط السينمائي في ذاكرتي لصور قوارب الهجرة غير الشرعيه الممتلئه عن اخرها بعد القبض عليها وقد غرق نصف من فيها.
كان من الطبيعي ان تذرف عيناي دماً لما أراه من شعوباً تثور لكرامتها، في حين نرضى بالبحث في الوحل عن بعض العملات المعدنيه.
لا أنكر أني حاولت أن أتخيل مصرنا و قد تحررت من طغيان ممتلكيها، حاولت أن أحلم بخروج المصريين دون راية للبرادعي او الأخوان او سكان المهجر، يخرجون فقط للأحمر و الأبيض الأسود، ولكني لم أستطع.
فالتدهور الحادث في مجتمعنا في كل الإتجاهات سيدفعه الى الرفض بكل جوارحه الثورة لكرامته، حيث انه ببساطه نسي معنى الكرامة.
فعندما كان من الطبيعي ان ترى حارسا لأحدى العقارات لا يستطيع القرائه أو الكتابه يجلس لينصت و يطرب لأم كلثوم وهي تنشد "نهج البرده" التي نظمها احمد شوقي باللغة العربية الفصحى، وتنتقل لترى شابا جامعيا وقد اطربته "السيجارة البني"، فكيف لنا ان ننتظر ان تصلنا ثورة احدثها شعب قوي مثقف، لم يتم تفريق دمه بين الفصائل السياسيه، راسخ في عقيدته معنى الكرامة؟

دعونا نستمع الى عقولنا، و نوقن تمام اليقين أننا لسنا تونس، و أن الغرغرينا إذا اجتاحت إصبع اليد سيصبح من السهل القضاء عليها .ببتر اللأصبع
اما إذا رضي بها الجسم ولم يقضي عليها منذ بدايتها لأستشرت في الجسم كله. و عندها يصبح الموت هو التالي.
ونحن، تفشت الغرغرينا في عقولنا و قلوبنا و سائر جسدنا.

فتحركوا من تلقاء انفسكم ولدافع بداخلكم من اجل معجزة، او انتظروا الموت في سلام.
و اتوسل اليكم بربكم وخالقكم، ألا تنتظروا انتقال الثورة كالعدوى عن طريق الهواء.


No comments:

Post a Comment